الاسلام والدين البهائي

Islam and the Bahá’í Faith


رفض الجديد


"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ". (العنكبوت آية ٢)


لقد كانت ولا زالت من طبيعة البشر ان يعارضوا الدين الجديد وان يرفضوا ويقاوموا الرسل والأنبياء حين مجيئهم. وقد لاقى كل رسل الله وانبيائه والمؤمنين الأوائل، الرفض والإعراض وحتى الإضطهاد، ولم يسلم اي منهم هذه المعاملة:


"يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون". (يس آية ٣)


"فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَآؤُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ". (ال عمران آية ١٨٤)


"كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب". (غافر آية ٥)


وينبغي لنا ان نتفكر قليلاً في أسباب هذا الإعراض والرد، على الرغم من دلائل المبعوثين الوفيرة وبراهينهم، وبالرغم ايضاً من ان أتباع الأديان التي سبقت، كانوا في أغلب الاحيان في انتضار وترقب لمجيء الموعود ويدعون الله بحرارة وحرقة ان يعجل قدومه.

وعندما نقرأ في الكتب المقدسة لهذه الأديان وخاصة في القرآن الكريم - (ولقدر معين ايضا في كتب التأريخ)، نجد بعض الأدلة والتلميحات عن اسباب إعتراضات الناس وإغماضهم. والأمل هنا ان يكون في إدراكنا وفهمنا لهذه الاسباب مانعًا لتكرار تلك الأغلاط والأخطاء والخطايا التي لعنّا بها الأقوام السالفة.

وربما كان احد هذه الأسباب هو خوف الناس ووجلهم من ان يقعوا فريسة للمدعين والأنبياء الكذَبة كالمسيح الدجال مثلا، يظلونهم الطريق ويخدعونهم، وقد تطرقنا الى هذا الموضوع بمرور سريع في صفحات أخرى. ولكن المهم هنا هو ان لاندع هذا الخوف يمنعنا عن معرفة المبعوث الحق، وان نحترز من ان نرمي القمح مع القشرة أو الجيد مع الخبيث.

ونرى ان أكثر الناس فشلوا مرة بعد أخرى في الإمتحانات الإلهية ولهذا لم يؤمنوا وأعرضوا عن طلعات الجمال الإلهي، ويبدوا ان هذه الإمتحانات لابد منها لكي يتبين المؤمنون الحقيقيون ممن يدعي الإيمان بالإسم:


"ليبلوكم أيكم أحسن عملا". (الملك آية ٢)


"أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ". (العنكبوت آية ٢)


ومن إمتحانات الله ما يدعى باللغة العربية بـ"البداء" كما حصل في زمن نوح(ع) حينما امتحن الله العباد ومنهم عائلة نوح نفسه، فحتى ابنه تركه ولم يصدق به بعدما تكرر وعده أصحابه بالنصر، ووعيده وتحذيره للمعرضين كرة بعد كرة بعذاب الله وقدوم الفيضان دون ان يتحقق ذلك أو تأتي المياه الى ان تركه أكثر القوم ولم يعودوا يصدقوا به وسخروا منه:


"وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ". (هود آية ٣٨)


وفي الأخير عندما جاء الفيضان بالفعل، لم ينج منهم سوى أقل القليل من الذين استقاموا في إيمانهم. وفي زمن موسى(ع) فشل أهل زمانه من فرعون وأتباع فرعون في امتحان من نوع آخر عندما ولوا عنه لكون حضرته كان قد قتل شخصا قبل ان يبعثه الله رسولا ولما جاء ليدعو فرعون الى دين الله خاطبه فرعون قائلاً:


"قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ١٨ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ". (الشعراء آية ١٩)


وفي عهد عيسى عليه السلام كان من ضمن الإمتحانات التي أُبتليَ بها الناس أن والدة حضرته لم تكن قد تزوجت بعد، حينما حملت به. وفي ايام الرسول محمد(ص) كانت الإمتحانات عديدة وشديدة ومنها كان تغيير إتجاه القبلة الى الكعبة المشرفة بعد ان كانت نحو البيت المقدس لأكثر من الفي عام، وكان ذلك لكي يفرق بين الذين اتبعوه وبين المترددين:


"وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ". (البقرة آية ١٤٣)


والآن لننظر، فهل لم يكن في قدرة الله سبحانه ان يعصم موسى(ع) من الخطأ أو ان يبعث عيسى(ع) من عائلة أخرى أو ان يبعث الفيضان في موعده وينصر اصحاب نوح(ع) عاجلاً؟ فتعالى سبحانه عز وجل.


ومن جملة الأسباب الأخرى في رفض الناس للأنبياء ومعاداتهم هو انه كان صعبا على الناس ان يروا أحدا منهم ومن بين ظهرانيهم، عرفوه منذ طفولته ورأوه واحدا مثلهم يأكل ويشرب ويجوع ويعيى ويمشي وينام ولا فرق بينه وبينهم، ويروه طيلة حياته من غير سلطة أو ثروة، ثم يأتيهم بنبأ عظيم لاطاقة لهم بسماعه:


"وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا". (الفرقان آية ٧)


وليس كذا فحسب، بل كان هؤلاء الرسل قد قاموا بتغيير وتبديل الكثير مما كان عزيزاً على القوم وحللوا هذا وحرّموا ذاك مما أدى بالناس الى محاربتهم واضطهادهم:


أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ". (البقرة آية ٨٧)


بينما يليق بكل من آمن بالله ان يعترف ويقر بان الله "يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد" وان كل الأوامر والأحكام الإلهية هي في الحقيقة لأجل مصلحتنا ولأجل صوننا وحفضنا، ولو اراد الله ان يغير بعض احكامه حسب مقتضيات الزمن، فهو لأجل منفعتنا نحن، فهو لا حاجة له بنا ولا تربحه عبادتنا أو يضره إعراضنا وهو غني عن العالمين:


"مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". (البقرة آية ١٠٦)


والأن نأتي الى ما قد يكون واحدا من اهم اسباب الإعراض والإنكار لمشارق والوحي والإلهام وإذلالهم وهو مقاومة ومعاندة ذوي السلطة الدينية من رجال عصرهم من كهنة ورهبان وقساوسة وفقهاء وغيرهم من رجال الدين.

وسواء كان ذلك لحب السلطة والرئاسة ولحفظها والتمسك بها، أم عن جهل وعدم إدراك، أم لفهم وتفسير خاطىء لآيات الله من المتشابهات، كان هؤلاء على الدوام من أهم دوافع اعراض العباد. وكان مركزهم العالي في المجتمع وقوة سلطتهم من جهة، وجهل أكثر الناس وانقيادهم لهم كالأغنام من جهة أخرى، سبب وقوعهم في حفرة النار وتياههم في بادية الخطأ:


"وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا * ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا". (الأحزاب آية ٦٧ و٦٨)


"وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ". (الأنعام آية ١١٦)


وتكلمنا في صفحات أخرى عن مخاطر تفسير الآيات المتشابهات وعن تحذير الله وعن منعه العباد عن ذلك.

وكم من علماء اليهود والقساوسة ومبشري الإنجيل تطاولوا على الرسول في خطبهم وكتبهم وكذلك على الإسلام وحرفوا تعاليمه وجادلوا في حقيقته وكذبوا في كتبهم وقصصهم عن رسوله. فكم من الأحرى بنا هذا اليوم ان نحذر وقوعنا في نفس المصيدة وان لا نتبعهم في خطاهم المظلة، وهذا الذي حذر منه رسول الله(ص) في قوله:


‏ ‏حدثنا ‏ ‏سعيد بن أبي مريم ‏ ‏حدثنا ‏ ‏أبو غسان ‏ ‏قال حدثني ‏ ‏زيد بن أسلم ‏ ‏عن ‏ ‏عطاء بن يسار ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سعيد ‏ ‏رضي الله عنه ‏ ‏أن النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ ‏قال ‏ ‏لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع‏ حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه قلنا يا رسول الله ‏ ‏اليهود ‏ ‏والنصارى ‏ ‏قال فمن - (البخاري -٣١٩٧ وايضا في صحيح مسلم)


وهذا التقليد يشمل تقليد الآباء والأجداد أو إتباع دينا ما، مجرد بسبب وراثته عنهم.

ويليق بالمؤمن والمؤمنة الحقيقيين من اتباع اي ديانة ان يستطيعوا الإجابة في انفسهم لهذه الأسئلة:هل كنت ساصبح في كل الأحوال من اتباع هذا الدين لو لم أولد لهذين الابوين أو ولدت في بلد آخر في جهة أخرى من العالم أو قارة أخرى، أو كان تعليمي مختلف طيلة حياتي؟ وماذا كان سيحصل لي لو ولدت في زمان آخر أو مكان آخر ولم تتح لي الفرصة على الإطلاق حتى ان اسمع بهذا الدين؟ هل رضاء الله وإحسانه يعتمد على جهدي وسعيي انا في معرفته ومعرفة ارادته، أم على مكان وزمان وضروف ولادتي؟

ونعود لذكر بعض الأسباب الأخرى التي أدت الى انكار الأنبياء، ومنها اعتراض الناس على اشياء لاتطابق مقايسهم وموازينهم التي اعتادوا عليها مثل قواعد اللغة والكلمات، وازنين كتاب الله بموازينهم حينما يجب ان يوزن كل شيء طبقه. وكذلك اعترضوا عليهم عندما لم تنطبق العلامات والوعود ظاهرياً وحرفياً حسب تصوراتهم، فرفض اليهود عيسى(ع) عندما لم يحكم بعصاً (صولجان) من حديد (اي لم تكن له سلطنة ظاهرية)، واعترضوا عليه لكونه اتى من مدينة بيت لحم عوضاً عن ان يأتي من "مكان غير معلوم" حسب نبؤاتهم، فسخروا منه ووضعوا على رأسه المبارك تاجاً من الشوك وساقوه في الطرق والأسواق لأنهم كانوا يترقبون ملكا يخلصهم من ظلم قيصر.

ومن الأسباب الأخرى، عدم فهم الناس للأمثال والتشبيهات والقصص في اشاراتها الى حقائق روحانية مثل اشارة المسيح(ع) الى قدومه من السماء، أو اشارته الى الأب السماوي فظنوا انه يتكلم عن ابوة من نوع آخر، وكذلك فسروا قصص بداية الخلق حرفيا على مدى ادراكهم، وصعب عليهم ادراك العلاقة بين الرسل وبين الله (أو ما اتهموا به (حضرة بهاء الله) من ادعاء الربوبية حين كل من يقرأ ادعيته يرى عِظَمَ عبوديته للخالق).

والإعتراضات كثيرة ولم نذكر منها سوى القليل، ولكن طالب الحقيقة يجمل به ان يتأمل في هذه الأسئلة:


١ - إن لم نكن دائماً على وعي وعلى حذر، اليس من الممكن ان نعيد نفس أغلاط السالفين الذين اضطهدوا ورفضوا رسل الله، فنصبح بذلك مستحقين لقهره وعقابه؟ "... وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولاً". (الإسراء آية ١٥)


٢ - هل نجح أولئك في إطفاء نور الله وفي ايقاف تقدم أمره ودينه، أم هل كانت أعمالهم في الحقيقة، سبباً لعلو وانتشار الدين الجديد؟


"انّ ربّكم الرّحمن يحبّ اَن يری من في الاكوان كنفسٍ واحدةٍ و هيكل واحدٍ ان اغتنموا فضل اللّه و رحمته في تلك الايّام الّتی ما رأت عين الابداع شبهها طوبی لمن نبذ ما عنده ابتغاءِ لما عند اللّه نشهد انّه من الفائزين".
- حضرة بهاء الله
%
تقدم القراءة