الاسلام والدين البهائي

Islam and the Bahá’í Faith


مقامي الرسالة والنبوة


تعددت الآرآء في تفسير العلاقة بين مقام الرسالة ورتبة النبوة وفي معنى اللفظتين. ويعتقد بعض الناس بأن من الممكن إستبدال الواحدة بالاخرى. ورغم إن حضرة الرسول محمد(ص) كان نبيا في ذات الوقت إلا إن الدلائل كثيرة على وجود بعض الإختلاف بين اللفظتين وعلى الأقل حسب التعريف اللغوي في القواميس وكتابات المفسرين. والذي اجتمع عليه الكثير منهم هو إن كل رسول هو نبي ايضا بينما العكس غير صحيح.

ورود اللفظتين في القرآن الكريم يقول المفسرون بأن الرسول هو حامل رسالة وتشريع ويأتي بكتاب ودين جديد:


"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ". (التوبة ٣٣)


وعدد الرسل المذكورين في القرآن لايزيد عن افراد معدودين إصطفاهم الباري لتأسيس أديان جديدة، ونرى في سورة الصف(الآيات ٥-٩) أن كلمة الرسول اطلقت على موسى وعيسى ومحمد وثلاثتهم صلوات الله عليهم كانوا مؤسسي أديان وكانوا أصحاب شرائع ونزلت عليهم كتب سماوية:


"وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين {٥} وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين {٦} ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين {٧} يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون {٨} هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون {٩} ". (الصف)


بينما نرى ذكر العديد من الأنبياء في القرآن الكريم ومنهم اسحاق ويعقوب واسماعيل وإدريس و يونس وسليمان وداود وغيرهم الكثير عليهم السلام. وفي بعض الآحآديث يذكر ان عدد الأنبياء هو "مائة الف وأربعة وعشرون ألفا"(*). ولم يأت أي منهم بدين جديد أو شريعة جديدة بل كانوا في نبوتهم في ظل المؤسسين الرسل. وفي الآية الكريمة نرى ان مقام الأنبياء هو في مقام من يطع الرسول:


"وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا". (النساء ٦٩)


ولعل الآية ٥١ في سورة الحج تعطينا صورة أوضح لهذا التغاير بين الرتبتين:


"وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍۢ وَلَا نَبِىٍّ إِلَّآ إِذَا تَمَنَّىٰٓ". (الحج ٥١)


(وقال العلامة ابو البركات النسفي في تفسيره المسمى بمدارك التنزيل " وهذا دليل بين على ثبوت التغاير بين الرسول والنبي بخلاف ما يقوله البعض انهما واحد........ والفرق بينهما أن الرسول من جمع الى المعجزة الكتاب المنزل عليه والنبي من لم ينزل عليه كتاب وانما أمر أن يدعو الى شريعة من قبله وقيل ان الرسول واضع شرع والنبي حافض شرع من قبله")(**)

وشرح غيرهم من المفسرين الفرق بين النبي والرسول ذاكرين مثلا إن الرسول هو من يخاطبه جبريل وقت الصحوة بينما يأتي الوحي على الأنبياء عند النوم بصورة الرؤيا والاحلام، ونكتفي هنا بما ذكرناه من الآيات الكريمة.

وبينما قال البعض بأن ختم النبوة لا يشمل ختم الرسالة لأن ذلك لم يذكر في القرآن بالتصريح، يردّ عليهم الآخرون بأن كل رسول هو نبي ايضا وبما ان النبوة قد انقطعت فهذا يعني انقطاع الرسالة بالضرورة طبق التعريف. لكننا نعرض على هؤلاء هذه الفكرة:

لنفرض ان في احدى الجرائد قرأنا إعلانا عن شاغر وضيفي لرتبة مدير شركة بحوث علمية ومن مؤهلاته المطلوبة أن يكون حامل شهادة الدكتوراة، ويذكر الإعلان ان حملة الماجستير سوف لن تقبل اوراقهم لهذه الوضيفة. فهل من المعقول أن نفهم من هذا بأن أصحاب شهادة الدكتوراة سوف ترفض أوراقهم أيضا ولن يتم تعيين أي شخص لهذه الوضيفة لأن كل صاحب دكتوراة هو بالضرورة حامل لشهادة الماجستير أيضا؟

وغرضنا في هذه النبذة القصيرة(***) أن نعرض للزائر الكريم إحتمالية هذه الفكرة: وهي ان ختم النبوة قد لايعني بالضرورة نهاية الرسالة والوحي والهداية السمائية ما دامت رحمته عزوجل قد وسعت السموات والأرض وما دام العباد في حاجة لهذه الهداية. والله أعلم.


"انّ ربّكم الرّحمن يحبّ اَن يری من في الاكوان كنفسٍ واحدةٍ و هيكل واحدٍ ان اغتنموا فضل اللّه و رحمته في تلك الايّام الّتی ما رأت عين الابداع شبهها طوبی لمن نبذ ما عنده ابتغاءِ لما عند اللّه نشهد انّه من الفائزين".
- حضرة بهاء الله
%
تقدم القراءة