Islam and the Bahá’í Faith
يتحدث علماء الاسلام في ابحاثهم وتفاسيرهم عن ثلاثة قيامات: الاولى هي القيامة الصغرى، وهي عند موت الفرد حينما تترك الروح الجسد وتعرف نتيجة اعمالها وثوابها وجزائها. أما الثانية فهي القيامة الوسطى(وسماها البعض بالكبرى) وهي ما يخص أمة أو قوم ما، عندما يجدد الله دينه وتنتعش روحانية الأمة باتباعها رسول ذلك العصر.
أما القيامة الثالثة فهي القيامة العظمى، وهي لعموم البشر وهي ما حكت عنها جميع الكتب السماوية. ومن اسمائها يوم الحشر ويوم البعث ويوم الدين. وفي هذه المقالة نقتصر بالكلام عن هذه القيامة العظمى.
يوم القيامة، الواقعة، الحاقة، يوم الحشر، يوم النشور، اليوم الاخر، يوم لقاء الله، النبأ العظيم،....
هذا الموضوع أعطيت له اهمية عظيمة ليس في القران الكريم فحسب، بل في كل الكتب السماوية. ولربما اختلفت الافكار في أوصافه وفي بعض الخصوصيات والتفاصيل، إلا ان ما يتفق عليه الجميع هو ان هذا اليوم هو يوم هائل كبير الشأن ويوم اضطراب عظيم. كذلك يتفق الكثير منهم في اعتقادهم بأن هذا اليوم هو يوم نهاية العالم. وأيضا يؤمن هؤلاء بأن اهل العالم جميعا سواءا كانوا مؤمنين أم مشركين سيفيقون فجأة ويدركون ما يحدث لهم، وبالطبع - فكيف يمكن أن لا يدرك المرء ان القيامة ونهاية العالم حاصلة حين تتساقط النجوم وتندك الجبال الى غيره من علامات ذلك اليوم.
وفي هذه المقالة، ينظر الكاتب الى ما تحدثنا به الايات في القرآن الكريم وبعض ما توارد في الاحاديث الشريفة عن هذا الوعد العظيم. وهي محاولة دراسة ومحاولة فهم لهذا الموضوع (وخصوصا) محاولة فهم ما لربما يبدوا للوهلة الأولى أوصافا متضاربة لهذا اليوم إذا قرأت الآيات الكريمة دون تعمق أو تدبر. وتهدف هذه المقالة الى التفحص في ما نزّل في القران الكريم بكليته - من دون أن نختار بعضا من الايات ونتجاهل ايات اخرى حسب اهوائنا.
ونبدأ بذكر بعض هذه الاوصاف والعلامات المشهورة عن هذا اليوم ومن ضمنها مثلا، ان هذا اليوم لاريب فيه وهو محتوم الوقوع حسب الآيات الكريمة. ونقرأ في القران الكريم عن لقاء الله عز وجل حين يأتي محمولا على العرش والملائكة من حوله بعد أن ينفخ في الصور مرتين، في الأولى يهلك الجميع (إلا من شاء الله) وفي الثانية يبعثون وتشرق الارض بنور ربها. ومن العلامات كذلك، ظهور المسيح ابن مريم(ع) مرة أخرى، كما نراه في الايات:
"إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ * وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ". (هود آية ١٠٣ و١٠٤ و١٠٥)
"وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية". (الحاقة آية ١٦ و١٧)
"ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد". (ق آية ٢٠ و٢١)
"ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون * وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون". (ق آية ٦٨ و٦٩)
"وإنه * لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم". (الزخرف آية ٦١)
* (ابن مريم حسب الاية قبلها)
(و هل من الممكن أن لا ينتبه بعض الناس في ذلك اليوم العظيم)
من السائد عند العموم بأن الجميع سيجدون انفسهم يومها إما في رعب أو في فرح شديد وبأن من المستحيل أن يكون هناك من سيكون في غفلة من هذا اليوم. وبالطبع لو كانت كل هذه العلامات علامات مادية وحسب المفهوم الحرفي للكلمات، فكيف لا يستيقظ الجميع رعبا يدركون حلول ووقوع هذا اليوم؟ إلا إننا نجد في بعض الايات - رغم صعوبة التصور- بأن البعض (وربما اغلبية الناس في البداية)، قد لا يشعرون، وكأنهم في غيبوبة أو نوم عميق:
"وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ". (مريم آية ٣٩)
"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ". (النحل آية ٢٠ و٢١)
"وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَاب اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". (الروم آية ٥٥ و٥٦)
"أَفَأَمِنُواْ أَن تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِّنْ عَذَابِ اللّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ". (يوسف آية ١٠٧)
"وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون * ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون". (سبأ آية ٢٨ و٢٩ و٣٠)
دعنا ننظر الى مسألة قيام الناس من القبور وهو من جملة ما إعترض عليه المشركون في ايام الرسول (ص) كما في الاية:
"وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا * قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا * أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُون َمَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا". (الإسراء آية ٤٩ و٥٠ و٥١)
لكي نفهم هذه الاية ونجد أجوبة لأسئلة تحير بها الناس عبر الأزمنة ومنها (على سبيل المثال): بأي حال ستكون أجسامنا حين القيام من القبور؟ هل سيقوم الذين ماتوا وهم كهلين بأجسامهم الكهلة التي ماتوا بها والذين ماتوا أطفالا بأجسام الطفولة، أم سيقوم الجميع باجسام فتية؟ وهل سيحشر ويساق المعوقون بأجسام معوقة ويحتاج الأطفال الرضع لمن يحملهم؟ وماذا سيحصل للذين من بعد تحلل عناصر اجسادهم أصبحت هذه العناصر -في أجيال لاحقة-، جزءا من أجسام أناس اخرين؟
أليس من المحتمل أن تكون هذه العلامات والأوصاف أوصافا رمزية ومعنوية؟
لأجابة هذه الأسئلة يجب علينا أن نعود الى القران نفسه و نتعمق في دراسة اياته و معانيه. ومن ضمن ما نرى في بعض الايات هو إن القيامة من بعد الموت لربما حصلت من قبل كما نجد في سورة البقرة:
"وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". (البقرة آية ٥٥ و٥٦)
والسؤال هنا هو هل كان موت الإسرائيليين في هذه الاية موت جسماني أم موت روحاني؟ نقول: "وأي هو الأهم أجسادنا أم أرواحنا؟"
في الحقيقة هناك عدة ايات تدل على إن الفعل "أحيا" و لفظة "الحياة" وردا في مواقع عدة بمعنى روحاني وغير مادي أو جسدي كما نرى:
"أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا (*) فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ". (الأنعام آية ١٢٢)
(*) أتفق المؤرخون على إن هذه الاية نزلت في حق الحمزة (ر) عم الرسول (ص).
"وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ". (آل عمران آية ١٦٩ و١٧٠)
ونرى بالمثل بأن ذكر الموت أيضا قد يعني الموت المعنوي وهو الذي يدل على حالة المشركين، غير المؤمنين:
"وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ". (النحل آية ٢٠ و٢١)
أما ما يخص الدمار والمصائب المتعلقة باليوم الآخر، والنيران والفيضانات فنراه في عدة آيات يبدوا لنا منها وكأن عالمنا الدنيوي سوف يأتي الى نهايته ويؤخذ المؤمنون الى الجنة والمشركون الى دركات الجحيم. إلا إننا في نفس الوقت نجد الحاجة في أن نوفق بين هذه الآيات التي تصف دمار العالم والايات ألاخرى التي تدل على إن النهاية هنا هي التحول والتغير من صورة معينة الى صورة أخرى. ولعل ما تصورته عقولنا عن الجنة و النار لا يستوجب أى يكون له ارتباط بالضرورة بتدمير عالمنا الدنيوي هذا. ونستدل على هذا الرأي من هذه الآيات:
"يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْض غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُواْ للّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ". (ابراهيم آية ٤٨)
وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ * يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ * فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ". (هود آية ١٠٤ و١٠٥ و١٠٦ و١٠٧)
"وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين * وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين". (هود آية ٧٣ و٧٤)
"وأشرقت الأرض بنور ربها". (الزمر آية ٦٩)
من جملة ما يعدنا به القرآن الكريم حين القيامة هو لقاء الله تعالى كما نراه في هذه الآيات وغيرها:
"هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ". (البقرة آية ٢١٠)
"إَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا". (الكهف آية ١١٠)
"وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ". (البقرة آية ٤٥ و٤٦)
"وانشقت السماء فهي يومئذ واهية * والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية". (الحاقة آية ١٦ و١٧)
وسؤالنا هنا هو عن معاني هذه الآيات وعن كيفية هذا اللقاء وكيف نوفق بين هذه الآيات وبين ما يعلمنا القرآن عن طبيعة وصفات الخالق وتنزيهه وتحميده عن كل ما يخطر ببال البشر وإستحالة رؤيته أو عرفانه بطريقة مباشرة كما جاء في هذه الآيات:
"ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ". (الانعام آية ١٠٢ و١٠٣)
"وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي". (الاعراف آية ١٤٣)
ولما نقرأ بقية الآية ندرك جسامة الفكرة وصعوبة تصورها، عندما نرى إن حتى الجبال لايسعها أن تصمد حين تجلي الخالق:
"وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ". (الاعراف آية ١٤٣)
وكذلك عندما نقرأ في سورة البقرة (٢٥٥) بأن "وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْض" ونقرأ بأنه اقرب الينا من حبل الوريد (ق:١٦)، بما يعني بأنه عز وجل معنا في جميع الاحيان وهو في كل مكان، فلنتدبر معنى أن يأتينا الله "فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَام" (البقرة آية ٢١٠)، ومن أين سيكون مجيئه؟
كل هذه الآيات تدعونا الى الاعتقاد بأن من المستحيل أن نرى الله مباشرة، فالسؤال مجددا هو: كيف نوفق بين الآيات التي تبشرنا بلقاء الله والآيات الأخرى التي تحكي عن إستحالة رؤيته؟ وهنا أيضا نجد الجواب مرة أخرى في القرآن نفسه، في الآيات التي نستدل منها على إن لقاء الله لربما يعني لقاء المظاهر الإلهية وهم الرسل والأنبياء. ومن هذه الآيات وفيها يكلم الله الرسول محمد(ص) نقرأ:
"... وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". (الانفال آية ١٧)
"إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما". (الفتح آية ١٠)
"مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا". (النساء آية ٨٠)
وكذلك نقرأ في الحديث الشريف: "من رأني فقد رأى الحق" (البخاري-مجلد ٤ ص ١٣٥) و"الحق" هو من أسماء الله.
"عم يتساءلون * عن النبأ العظيم * الذي هم فيه مختلفون * كلا سيعلمون * ثم كلا سيعلمون". (النبأ آية ١ و٢ و٣ و٤ و٥)
إختلف علماء الدين والمفسرون في آرائهم عن موعد القيامة ولكننا نجد في القرآن الكريم تلميحات عن قرب هذا الموعد وليس كما يضن البعض بأن لازال لدينا الوقت الطويل ولربما مئات أو آلاف السنين قبل أن يحل الاوان. وفي الحقيقة وبسبب تحقق الكثير من الإشارات والعلامات نجد ألآن الكثير من الناس سواء كانوا مسلمين أم مسيحيين (أم غيرهم) ممن يعتقدون بأن القيامة على وشك الحصول. ومن بعض الآيات التي تؤشر على قصر الفترة نجد مثلا:
"الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب". (الشورى آية ١٧)
(وكذلك حرف السين في "سيعلمون" في الآيتين ٤ و ٥ من سورة النبأ يدل على المستقبل القريب وليس المتراخي عند إستعمال "سوف") وفي الحقيقة وحسب آيات أخرى نقرأ إن بداية القيامة كانت منذ زمن بعيد ولربما كانت منذ زمن موسى (ع):
"فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها". (محمد آية ١٨)
"إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى". (طه آية ١٥)
المُخاطَب في هذه الآية هو موسى(ع) والذي يبتغي علامات و دلائل أخرى تشير الى إننا نعيش في اليوم الموعود، فإن في الأحاديث الشريفة و مقالات الأئمة، الكثير من الاوصاف المفصلة مما هو مشهور بين الناس.
من العلامات المهمة المذكورة في القرآن الكريم وكذلك يعتقد بها غير المسلمين من اليهود والمسيحيين هي رجوع اليهود الى فلسطين بعد تشتتهم في كل أنحاء العالم كما نرى قي هذه الآيات:
"وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لفيفاً". (الإسراء آية ١٠٤)
"هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار". (الحشر آية ٢)
"وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا". (الإسراء آية ٤)
ومن العلامات و الوعود الاخرى مانقرأه في سورة البينة:
"لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة * رسول من الله يتلو صحفا مطهرة * فيها كتب قيمة * وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة". (البينة آية ١ و٢ و٣ و٤)
والتفسير الواضح لهذه الآيات هو إن المسيحيين واليهود وأصحاب باقي الأديان وكذلك المشركين كانوا سيستمرون في إعراضهم وإنكارهم وعدائهم لدين الإسلام الى أن يأتيهم برهان واضح مبين وهو ما يسميه القرآن بالبينة. وحسب الآية الثانية من نفس السورة، نرى إن البينة هي رسول الهي صاحب كتاب وشريعة. وهذا أيضا قد تحقق وقته حسب رأي الكاتب بأكثر من طريقة. فنحن نرى إن من كان وأصله، جيلا بعد جيل صاحب عقيدة مختلفة سواء كان مسيحي أم بوذي أم هندوسي أم يهودي أم بدون أي دين، وآمن اليوم بالدين البهائي، أصبح يؤمن بأحقية القرآن وبأنه كتاب الهي منزّل وأصبح يؤمن بأن محمد (ص) هو رسول الله، ولا يمكن لأي أحد أن يصبح بهائيا من غير أن يؤمن بكل رسل الله وبكل الديانات السماوية السابقة. أما الطريقة الأخرى التي تحقق بها هذا الوعد فإنه ما نراه اليوم أيضا من إنتشار الدين الإسلامي في اوربا والامريكتين بسرعة لم يعهدها المسلمون منذ زمن طويل جدا مما دعا البعض لتسمية ما نراه اليوم بالنهضة أو اليقضة الثانية.
حين وقوع هذه الاحداث المهمة وفي هذا الوقت الخطير، لابد - من رحمة الخالق-، أن تسبق مجيئها إنذارات وتحذيرات للمشركين من ناحية ووعود وبشارات للمؤمنين من ناحية أخرى. ويكون إعلام الناس وإيقاضهم عن طريق نداء المنادي:
"واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج". (ق آية ٤١ و٤٢)
فمن هو هذا المنادي، وأين هذا المكان القريب؟
والجواب هو إن المنادي والداعي والمبشر، كلها القاب للرسول كما نقرأ:
"رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ". (آل عمران آية ١٩٣)
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ". (الأنفال آية ٢٤)
"وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون". (سبأ آية ٢٨)
وغرض النداء هو هداية الناس الى الصراط المستقيم وإرجاعهم الى الدين والإتحاد بعد أن تشتتوا وتفرقوا أحزابا ومذاهب "يَكْفُرُ بَعْضُهُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُهُم بَعْضًا".
أما الصراط المستقيم الذي هو أحد من السيف وأرفع من الشعرة وبه يمتحن الله عباده ويفرق بين الحق والباطل ويتصوره بعض الناس وكأنه جسر يعبره المؤمنون الى الجنة ويسقط منه الكافرون الى النار، فهو عبارة عن الدين القيم كما نرى تفسيره في القرأن الكريم:
"قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ". (الأنعام آية ١٦١)
والدين الجديد كان دائما أشد الإمتحانات.
ومما يجلب الإنتباه أيضا هو العلاقة بين لفظة الدين وبين القيامة، فمن المعلوم أن من أسماء القيامة هو يوم الدين وأليس مما يجلب النظر ويدعو للتفكير إن أول سورة في القرآن، فاتحة الكتاب، تذكر يوم القيامة لأهميته وتدعوه بيوم الدين؟ أفلا تعني القيامة مجئ دين جديد؟
ونستمر في بحثنا عن وقت مجئ هذا اليوم ولعله من المعقول أن نقول أن رحمة الله التي سبقت كل شئ تستوجب أن يكون مجئ المنذر قبل مجئ العقاب، وهذا أيضا ما يوضحه القرآن:
وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى ١٣٤(طه) (طه آية ١٣٤)
"مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَث رَسُولاً". (الحجرات آية ١٤)
"وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا". (القصص آية ٥٩)
وألآن عندما نرى ما مرت به الأمم في القرن العشرين (ولا تزال تمر به) من مصائب ورزايا وكروب وحروب ودمار وآفات وأمراض وتفكك إجتماعي وأخلاقي مما لا يخفى على كل واع، ألا يحق أن نسأل أنفسنا إن كان البشير المنذر قد أتى بالفعل؟ وهل فاتنا أن نشعر بمجئ الداعي؟
"وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ". (هود آية ١١٧)
"وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ". (القصص آية ٥٩)